[size=18]الموضوع:الذنوب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله البر الرحيم, واسع الإحسان الملك العظيم، والصلاة والسلام على المبعوث بالهدى المخلص عن مسالك الردى، وعلى اله وصحبه وبعد:
فإن المعاصي سبيل الضلال والغواية، ونقيض الرشاد والهداية، وسبب كل هم وبلاء، وكل غم وشقاء، مطلسم دربها، وعلقم ذوقها، ونتن ريحها، ما ركبها راكب إلا غرق، ولا اقترب منه سائر إلا حرق
،ولا شربها عطشان الاضمىء لذتها حسرات،وشهواتها آفات، وليس بعد انقضائها السريع إلا العذاب والتبعات .
وهناك خمسة منافذ أدخلت علينا إعصار المعاصي فدمدم في الديار وهي:
1.ضعف في الإيمان.
2.الجهل بالله وتعالى وأمره ونهيه.
3.الاغترار بعفو الله تعالى.
4.كثرة الشبهات والشهوات.
5.مخالطة لأهل المعاصي وقرناء السوء.
وهناك جملة من الصفات للمعاصي والذنوب حصرها الإمام الغزالي رحمة الله في أربعة صفات :
1.صفات ربانيه: وينشا عنها ذنوب:كالكبر والاستعلاء، وحب المدح والثناء.
2.صفات شيطانية: وينشا عنها ذنوب:كالحسد والبغي والخداع والمكر والغش والنفاق.
3.صفات بهيمية : وينشا عنها ذنوب :وتظهر في الاستجابة لشهوات النفس والبطن والغرائز كالزنى والشذوذ الجنسي والسرقة.
4.صفات سبعيه: وينشا عنها ذنوب:كالحقد والغصب والعدوان والقتل والضرب.
وبعد ذكر صفات الذنوب يجدر بنا ذكر آثار هذه المعاصي على الفرد والمجتمع كما قال ابن القيم رحمة الله :وللمعاصي من الآثار المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لايعلمه إلا الله .فمنها أنها مدد من الإنسان يمد به عدوه عليه وجيش يقويه به على حربه.ومن عقوبتها أنها تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه .ومنها أنها تجرئ العبد على من لم يكن يجترئ عليه ،ومنها الطبع على القلب إذا تكاثرت حتى يصبر صاحب الذنب من الغافلين ،كما قال بعض السلف في قوله تعالى {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ }المطففين14هو الذنب بعد الذنب ,وقال :هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب وأصل هذا أن القلب يصدا من المعصية فإذا زادت غلب الصدأ حتى يصير زانا ثم يغلب حتى يصير طبعا وقفلا وختما فيصير القلب في غشاوة وغلاف .
ومنها إفساد العقل :فان العقل نور المعصية تطفئ نور العقل .
ومنها:أن العبد لا يزال يرتكب الذنوب حتى تهون عليه وتصغر في قلبه.
ومنها:أن ينسلخ من القلب استقباحها فتصير له عادة.
ومنها:أن المعاصي تزرع أمثالها ويولد بعضها بعضا.
ومنها:ظلمة يجدها في قلبه يحس بها كما يحس بظلمة الليل.
ومنها:أن المعاصي توهن القلب والبدن:أما وهنها للقلب فأمر ظاهر بل لا تزال توهنه حتى تزيل حياته بالكلية.وأما وهنها للبدن فان المؤمن قوته في قلبه وكلما قوي قلبه قوي بدنه.
ومنها أن المعاصي تمحق بركة العمر؛ إذ أن المعاصي كلها شرور.وهذا ما يفرح العدو ويسئ الصديق .
ومنها:تعسير أموره فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقا دونه أو متعسرا عليه.
ومنها:الوحشة التي تحصل بينه وبين الناس ولاسيما أهل الخير.
ومنها:حرمان دعوة الرسول صلى الله علية وسلم ودعوة الملائكة للذين تابوا.
ومنها:أن الذنوب تدخل العبد تحت لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنها:أنها تحدث في الأرض أنواعا من الفساد في المياه والهواء والزروع والثمار والمساكن.
ومنها:أنها تطفئ من القلب نار الغيرة .
ومنها:ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب.
ومنها:أنها تضعف في القلب تعظيم الرب، وتضعف وقارة في قلب العبد.
ومنها:أنها تستدعى نسيان الله لعبده البركة.
ومنها:أنها تخرج العبد من دائرة الإحسان او تمنعه ثواب المحسنين .
ومنها:أنها تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة.
ومنها:أنها تصرف القلب عن صحته واستقامته.
ومنها:أنها تعمي بصيرة القلب، وتطمس نوره وتسد طرق العلم.
ومنها:أنها تصغر النفس وتحقرها وتقمعها عن الخير.
ومنها:أن المعاصي في اسر شيطانية وسجن شهواته.
ومنها:سقوط الجاه والمنزلة والكرامة عند الله وخلقه.
ومنها:أنها توجب القطيعة بين العبد وبين ربه.
ومنها:أنها تسلب صاحبها أسماء المدح والشرف.
ومنها:أنها تجعل صاحبها من السفلة.
أخي القارئ: إن تأثير الذنوب في القلب كتأثير الإمراض في الأبدان، بل الذنوب أمراض القلوب وداؤها، ولا دواء لها إلا بتركها.فأي عقل لمن اثر لذة ساعة او يوم أو دهر ثم تنقضي كأنها حلم ،على هذا النعيم المقيم والفوز العظيم؟ بل هوسعادة الدنيا والآخرة .
ولو لا العقل الذي تقوم عليه به الحجة لكان بمنزلة المجانين، بل قد يكون المجانين أحسن حالا منه واسلم عاقبه.
وأما تأثيرها في نقصان العقل المعيشي فلولا الاشتراك في هذا النقصان لظهر لمطيعنا نقصان عقل عاصينا،ولكن الجائحة عامة،والجنون فنون .
ويا عجبا!لو صحت العقول لعلمت أن الطريق الذي تحصل به اللذة والفرحة والسرور وطيب العيش إنما هو في رضاه والنعيم كله في رضاه، والألم والعذاب كله في سخطه وغضبه.
ففي رضاه قرة العيون ،وسرور النفوس ،وحياة القلوب ،ولذة الأزواج ,وطيب الحياة ,ولذة العيش وأطيب النعيم من له وزن منه مثقال ذرة بنعيم الدنيا مالم تف به،بل إذا حصل للقلب من ذلك أيسر نصيب لم يرض بالدنيا ومافيها عوضا منه.كما أن المعاصي لها تأثير عظيم على المجتمعات والأمم ومن ذلك على سبيل المثال مايلي :
إهلاك الأمم بسبب المعاصي، لا شك أن جميع الإضرار في الدنيا والآخرة تحصل بسبب المعاصي:
- فما الذي اخرج الأبوين من الجنة، دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دارا لآلام والأحزان ولمطالب؟
- وما الذي اخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه, فجعل صورته أقبح صورة وأشنعها وباطنه أقبح من صورته وأشنع، وبدل بالقرب بعدا, وبالرحمة لعنة, وبالجمال قبحا, وبالجنة نارا تلظى، وبالإيمان كفرا؟
- وما الذي اغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال ؟
- وما الذي سلط الريح على قوم عاد, حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية, ودمرت ما مرت عليه من ديارهم وحرثوهم وزرعوهم ودوابهم, حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة.
- وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن أخرهم؟
- وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم ,ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها,فأهلكهم جميعا. ثم اتبعهم حجارة من السماء أمطرها عليهم,فجمع عليهم من العقوبة مالم يجمع على امة غيرهم، ولإخوانهم أمثالها,وماهية من الظالمين ببعيد؟
- وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل ,فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم نار تلظى؟
- وما الذي اغرق فرعون وقومه في البحر، ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم، فالأجساد للغرق والأرواح للحرق؟
- وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟
- وما الذي اهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمرها تدميرا؟
- وما الذي اهلك قوم صاحب يس بالصيحة حتى خمدوا عن أخرهم؟
ولا شك أن الذي أصاب هؤلاء جميعا وأهلكهم هي ذنوبهم!فالمعاصي مواريث الأمم الظالمة,فليحذر المسلم أن يرث المعاصي عن الظالمين , فان اللوطية ميراث عن قوم لوط،واخذ الحق بالزائد ودفعة بالناقص ميراث عن قوم شعيب ,والعلو في الأرض ميراث عن قوم فرعون ,والتكبر والتجبر ميراث لقوم هود...الخ
المعاصي تؤثر حتى على الدواب والأشجار والأرض ,وعلى المخلوقات تسبب عذاب القبر,وعذاب يوم القيامة،وعذاب النار.
ويروى عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال لا يغرنك قوله تعالى {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }الأنعام160 فان السيئة وان كانت واحدة تتبعها عشر خصال مذمومة :
1.إذا أذنب العبد الذنب فقد اسخط الله عليه وهو قادر عليه.
2.انه فرح إبليس لعنة الله.
3.انه تباعد من الجنة.
4.انه تقرب من النار والعياذ بالله.
5.انه أذى أحب الأشياء إليه وهي نفسه.
6.انه أنجس نفسه وقد كان طاهرا.
7.انه قد أذى الحفظة من الملائكة.
8.انه فد اشهد على نفسه السموات والأرض وجميع المخلوقات.
9.انه خان جميع الآدميين بمعصية رب العالمين.
وهناك إضرار تؤدي بها المعاصي والذنوب على الفرد والمجتمع وهي :
1.قسوة القلب: فالقلب هو مركز قوة الإنسان, وعليه مدار صلاح بدنه وروحة, فإذا فسد الجسد كله كما قال عليه السلامألا وان في الجسد مضغة, إذا صلحت صلح سائر الجسد, وإذا فسدت فسد سائر الجسد ألا وهي القلب)
2.مرض النفس والبدن: ومن اخطر آثار الذنوب والمعاصي ،ما تورثه في ذات العاصي نفسه من أمراض فتاكة تكون سببا في انزعاجه وهمه وحزنه، وينعكس ذلك على بدنه فتصيبه الإمراض في جميع جسده، فلا تراه إلا كسلان يشكو من الضيق والعجز,وفد سدت في وجه أبواب الخير وفتحت إمامه أبواب الشر،فلا هو يذكر طريق الرجوع فيرجع ولا هو يجد راحته في طريق فيهنئ قال تعالى {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأنعام125
3.زوال النعم: قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }إبراهيم7،فكما أن الشكر يحفظ النعم ويكون سببا في زيادتها فان المعاصي تسلب عن صاحبها النعم ,وتكون سببا في نقصانها أو انعدامها بالكلية وذلك بحسب تفاوت الذنوب والخطايا.
4.غضب الله تعالى وسخطه: ومن أعظم عواقب الذنوب والمعاصي استحقاق سخط الله وغضبه,وليس بعد هذا العقاب عقاب ,قال تعالى: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ }النحل45
5.وفي الآخرة عذاب اليم: والخسارة كل الخسارة هي ما توجبه المعاصي من العذاب بعد الموت فهي ظلمة القبر ,وغمة يوم النشور ,ونيران في جهنم وبئس المصير قال تعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ }فاطر37
وبعد أن انتشر فينا داء المعاصي والذنوب لا بد من وجود الداء والعلاج الشافي وهو على الوصفة التالية:
1.الخوف من الله تعالى فانه أساس الدواء.
2.صدق التوجه إلى الله ودعاؤه وسؤاله الهداية والرشاد.
3.مجاهدة النفس وفطمها عن شهواتها.
4.العزيمة الصادقة في مفارقة المعاصي.
5.الإكثار من الطاعات والنوافل.
6.مجالسة الأخيار ومجانبة الفجار.
قال تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ }آل عمران30
وقبل الختام تذكر أخي المسلم بعض النقاط المهمة:
1.فول عوام بن حوشب (أربع بعد الذنب شر من الذنب :الاستصغار،والاغترار،والاستبشار،والإصرار)
2.مجاهدتك لنفسك على شهواتها والصبر عليها تؤدي في النهاية على أن تكون من المفلحين لقول تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ){200}
3.إن المخرج من المعاصي هو التوبة: وليس من وسيلة لدفع عقوبات الذنوب وإضرارها إلا الإقلاع عن إتيانها, والندم على اقترافها, والعزم على فراقها وهجرها.ورد الحقوق إلى أهلها, فهذه هي شروط التوبة النصوح التي يسلم القلب بها إلى الله، ويسوق صاحبها نفسه إلى الله سوقا يبتغي بذلك أمنا وأمانا, وجنة ورضوانا.
وقال تعالى وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }النور31
4.تقوى الله من أهم الوسائل للتغلب على النفس الأمارة بالسوء والشيطان.
5.الموت قد يطرق عليك الباب في أي لحظة فهل جهزت له ولما بعده من أهوال.
وأخير اسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجنبنا المعاصي ماظهر منها وما بطن ,وصغيرها وكبيرها انه سميع مجيب الدعاء ,وان يتقبل منا أعمالنا ويتجاوز عن معاصينا ,وأن يتوب علينا إنه هو التواب الرحيم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المراجع:1.كتاب التوبة من المعاصي والذنوب
2.كتيب داء النفوس وسموم القلوب المعاصي
وكتاب اخر.[/size]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله البر الرحيم, واسع الإحسان الملك العظيم، والصلاة والسلام على المبعوث بالهدى المخلص عن مسالك الردى، وعلى اله وصحبه وبعد:
فإن المعاصي سبيل الضلال والغواية، ونقيض الرشاد والهداية، وسبب كل هم وبلاء، وكل غم وشقاء، مطلسم دربها، وعلقم ذوقها، ونتن ريحها، ما ركبها راكب إلا غرق، ولا اقترب منه سائر إلا حرق
،ولا شربها عطشان الاضمىء لذتها حسرات،وشهواتها آفات، وليس بعد انقضائها السريع إلا العذاب والتبعات .
وهناك خمسة منافذ أدخلت علينا إعصار المعاصي فدمدم في الديار وهي:
1.ضعف في الإيمان.
2.الجهل بالله وتعالى وأمره ونهيه.
3.الاغترار بعفو الله تعالى.
4.كثرة الشبهات والشهوات.
5.مخالطة لأهل المعاصي وقرناء السوء.
وهناك جملة من الصفات للمعاصي والذنوب حصرها الإمام الغزالي رحمة الله في أربعة صفات :
1.صفات ربانيه: وينشا عنها ذنوب:كالكبر والاستعلاء، وحب المدح والثناء.
2.صفات شيطانية: وينشا عنها ذنوب:كالحسد والبغي والخداع والمكر والغش والنفاق.
3.صفات بهيمية : وينشا عنها ذنوب :وتظهر في الاستجابة لشهوات النفس والبطن والغرائز كالزنى والشذوذ الجنسي والسرقة.
4.صفات سبعيه: وينشا عنها ذنوب:كالحقد والغصب والعدوان والقتل والضرب.
وبعد ذكر صفات الذنوب يجدر بنا ذكر آثار هذه المعاصي على الفرد والمجتمع كما قال ابن القيم رحمة الله :وللمعاصي من الآثار المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لايعلمه إلا الله .فمنها أنها مدد من الإنسان يمد به عدوه عليه وجيش يقويه به على حربه.ومن عقوبتها أنها تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه .ومنها أنها تجرئ العبد على من لم يكن يجترئ عليه ،ومنها الطبع على القلب إذا تكاثرت حتى يصبر صاحب الذنب من الغافلين ،كما قال بعض السلف في قوله تعالى {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ }المطففين14هو الذنب بعد الذنب ,وقال :هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب وأصل هذا أن القلب يصدا من المعصية فإذا زادت غلب الصدأ حتى يصير زانا ثم يغلب حتى يصير طبعا وقفلا وختما فيصير القلب في غشاوة وغلاف .
ومنها إفساد العقل :فان العقل نور المعصية تطفئ نور العقل .
ومنها:أن العبد لا يزال يرتكب الذنوب حتى تهون عليه وتصغر في قلبه.
ومنها:أن ينسلخ من القلب استقباحها فتصير له عادة.
ومنها:أن المعاصي تزرع أمثالها ويولد بعضها بعضا.
ومنها:ظلمة يجدها في قلبه يحس بها كما يحس بظلمة الليل.
ومنها:أن المعاصي توهن القلب والبدن:أما وهنها للقلب فأمر ظاهر بل لا تزال توهنه حتى تزيل حياته بالكلية.وأما وهنها للبدن فان المؤمن قوته في قلبه وكلما قوي قلبه قوي بدنه.
ومنها أن المعاصي تمحق بركة العمر؛ إذ أن المعاصي كلها شرور.وهذا ما يفرح العدو ويسئ الصديق .
ومنها:تعسير أموره فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقا دونه أو متعسرا عليه.
ومنها:الوحشة التي تحصل بينه وبين الناس ولاسيما أهل الخير.
ومنها:حرمان دعوة الرسول صلى الله علية وسلم ودعوة الملائكة للذين تابوا.
ومنها:أن الذنوب تدخل العبد تحت لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنها:أنها تحدث في الأرض أنواعا من الفساد في المياه والهواء والزروع والثمار والمساكن.
ومنها:أنها تطفئ من القلب نار الغيرة .
ومنها:ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب.
ومنها:أنها تضعف في القلب تعظيم الرب، وتضعف وقارة في قلب العبد.
ومنها:أنها تستدعى نسيان الله لعبده البركة.
ومنها:أنها تخرج العبد من دائرة الإحسان او تمنعه ثواب المحسنين .
ومنها:أنها تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة.
ومنها:أنها تصرف القلب عن صحته واستقامته.
ومنها:أنها تعمي بصيرة القلب، وتطمس نوره وتسد طرق العلم.
ومنها:أنها تصغر النفس وتحقرها وتقمعها عن الخير.
ومنها:أن المعاصي في اسر شيطانية وسجن شهواته.
ومنها:سقوط الجاه والمنزلة والكرامة عند الله وخلقه.
ومنها:أنها توجب القطيعة بين العبد وبين ربه.
ومنها:أنها تسلب صاحبها أسماء المدح والشرف.
ومنها:أنها تجعل صاحبها من السفلة.
أخي القارئ: إن تأثير الذنوب في القلب كتأثير الإمراض في الأبدان، بل الذنوب أمراض القلوب وداؤها، ولا دواء لها إلا بتركها.فأي عقل لمن اثر لذة ساعة او يوم أو دهر ثم تنقضي كأنها حلم ،على هذا النعيم المقيم والفوز العظيم؟ بل هوسعادة الدنيا والآخرة .
ولو لا العقل الذي تقوم عليه به الحجة لكان بمنزلة المجانين، بل قد يكون المجانين أحسن حالا منه واسلم عاقبه.
وأما تأثيرها في نقصان العقل المعيشي فلولا الاشتراك في هذا النقصان لظهر لمطيعنا نقصان عقل عاصينا،ولكن الجائحة عامة،والجنون فنون .
ويا عجبا!لو صحت العقول لعلمت أن الطريق الذي تحصل به اللذة والفرحة والسرور وطيب العيش إنما هو في رضاه والنعيم كله في رضاه، والألم والعذاب كله في سخطه وغضبه.
ففي رضاه قرة العيون ،وسرور النفوس ،وحياة القلوب ،ولذة الأزواج ,وطيب الحياة ,ولذة العيش وأطيب النعيم من له وزن منه مثقال ذرة بنعيم الدنيا مالم تف به،بل إذا حصل للقلب من ذلك أيسر نصيب لم يرض بالدنيا ومافيها عوضا منه.كما أن المعاصي لها تأثير عظيم على المجتمعات والأمم ومن ذلك على سبيل المثال مايلي :
إهلاك الأمم بسبب المعاصي، لا شك أن جميع الإضرار في الدنيا والآخرة تحصل بسبب المعاصي:
- فما الذي اخرج الأبوين من الجنة، دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دارا لآلام والأحزان ولمطالب؟
- وما الذي اخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه, فجعل صورته أقبح صورة وأشنعها وباطنه أقبح من صورته وأشنع، وبدل بالقرب بعدا, وبالرحمة لعنة, وبالجمال قبحا, وبالجنة نارا تلظى، وبالإيمان كفرا؟
- وما الذي اغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال ؟
- وما الذي سلط الريح على قوم عاد, حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية, ودمرت ما مرت عليه من ديارهم وحرثوهم وزرعوهم ودوابهم, حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة.
- وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن أخرهم؟
- وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم ,ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها,فأهلكهم جميعا. ثم اتبعهم حجارة من السماء أمطرها عليهم,فجمع عليهم من العقوبة مالم يجمع على امة غيرهم، ولإخوانهم أمثالها,وماهية من الظالمين ببعيد؟
- وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل ,فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم نار تلظى؟
- وما الذي اغرق فرعون وقومه في البحر، ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم، فالأجساد للغرق والأرواح للحرق؟
- وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟
- وما الذي اهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمرها تدميرا؟
- وما الذي اهلك قوم صاحب يس بالصيحة حتى خمدوا عن أخرهم؟
ولا شك أن الذي أصاب هؤلاء جميعا وأهلكهم هي ذنوبهم!فالمعاصي مواريث الأمم الظالمة,فليحذر المسلم أن يرث المعاصي عن الظالمين , فان اللوطية ميراث عن قوم لوط،واخذ الحق بالزائد ودفعة بالناقص ميراث عن قوم شعيب ,والعلو في الأرض ميراث عن قوم فرعون ,والتكبر والتجبر ميراث لقوم هود...الخ
المعاصي تؤثر حتى على الدواب والأشجار والأرض ,وعلى المخلوقات تسبب عذاب القبر,وعذاب يوم القيامة،وعذاب النار.
ويروى عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال لا يغرنك قوله تعالى {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }الأنعام160 فان السيئة وان كانت واحدة تتبعها عشر خصال مذمومة :
1.إذا أذنب العبد الذنب فقد اسخط الله عليه وهو قادر عليه.
2.انه فرح إبليس لعنة الله.
3.انه تباعد من الجنة.
4.انه تقرب من النار والعياذ بالله.
5.انه أذى أحب الأشياء إليه وهي نفسه.
6.انه أنجس نفسه وقد كان طاهرا.
7.انه قد أذى الحفظة من الملائكة.
8.انه فد اشهد على نفسه السموات والأرض وجميع المخلوقات.
9.انه خان جميع الآدميين بمعصية رب العالمين.
وهناك إضرار تؤدي بها المعاصي والذنوب على الفرد والمجتمع وهي :
1.قسوة القلب: فالقلب هو مركز قوة الإنسان, وعليه مدار صلاح بدنه وروحة, فإذا فسد الجسد كله كما قال عليه السلامألا وان في الجسد مضغة, إذا صلحت صلح سائر الجسد, وإذا فسدت فسد سائر الجسد ألا وهي القلب)
2.مرض النفس والبدن: ومن اخطر آثار الذنوب والمعاصي ،ما تورثه في ذات العاصي نفسه من أمراض فتاكة تكون سببا في انزعاجه وهمه وحزنه، وينعكس ذلك على بدنه فتصيبه الإمراض في جميع جسده، فلا تراه إلا كسلان يشكو من الضيق والعجز,وفد سدت في وجه أبواب الخير وفتحت إمامه أبواب الشر،فلا هو يذكر طريق الرجوع فيرجع ولا هو يجد راحته في طريق فيهنئ قال تعالى {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأنعام125
3.زوال النعم: قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }إبراهيم7،فكما أن الشكر يحفظ النعم ويكون سببا في زيادتها فان المعاصي تسلب عن صاحبها النعم ,وتكون سببا في نقصانها أو انعدامها بالكلية وذلك بحسب تفاوت الذنوب والخطايا.
4.غضب الله تعالى وسخطه: ومن أعظم عواقب الذنوب والمعاصي استحقاق سخط الله وغضبه,وليس بعد هذا العقاب عقاب ,قال تعالى: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ }النحل45
5.وفي الآخرة عذاب اليم: والخسارة كل الخسارة هي ما توجبه المعاصي من العذاب بعد الموت فهي ظلمة القبر ,وغمة يوم النشور ,ونيران في جهنم وبئس المصير قال تعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ }فاطر37
وبعد أن انتشر فينا داء المعاصي والذنوب لا بد من وجود الداء والعلاج الشافي وهو على الوصفة التالية:
1.الخوف من الله تعالى فانه أساس الدواء.
2.صدق التوجه إلى الله ودعاؤه وسؤاله الهداية والرشاد.
3.مجاهدة النفس وفطمها عن شهواتها.
4.العزيمة الصادقة في مفارقة المعاصي.
5.الإكثار من الطاعات والنوافل.
6.مجالسة الأخيار ومجانبة الفجار.
قال تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ }آل عمران30
وقبل الختام تذكر أخي المسلم بعض النقاط المهمة:
1.فول عوام بن حوشب (أربع بعد الذنب شر من الذنب :الاستصغار،والاغترار،والاستبشار،والإصرار)
2.مجاهدتك لنفسك على شهواتها والصبر عليها تؤدي في النهاية على أن تكون من المفلحين لقول تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ){200}
3.إن المخرج من المعاصي هو التوبة: وليس من وسيلة لدفع عقوبات الذنوب وإضرارها إلا الإقلاع عن إتيانها, والندم على اقترافها, والعزم على فراقها وهجرها.ورد الحقوق إلى أهلها, فهذه هي شروط التوبة النصوح التي يسلم القلب بها إلى الله، ويسوق صاحبها نفسه إلى الله سوقا يبتغي بذلك أمنا وأمانا, وجنة ورضوانا.
وقال تعالى وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }النور31
4.تقوى الله من أهم الوسائل للتغلب على النفس الأمارة بالسوء والشيطان.
5.الموت قد يطرق عليك الباب في أي لحظة فهل جهزت له ولما بعده من أهوال.
وأخير اسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجنبنا المعاصي ماظهر منها وما بطن ,وصغيرها وكبيرها انه سميع مجيب الدعاء ,وان يتقبل منا أعمالنا ويتجاوز عن معاصينا ,وأن يتوب علينا إنه هو التواب الرحيم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المراجع:1.كتاب التوبة من المعاصي والذنوب
2.كتيب داء النفوس وسموم القلوب المعاصي
وكتاب اخر.[/size]