سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله وأكبر ولا حوله ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
اللهم اغفر لي ولوالدي ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات
معجزة تشكل البرد
نتأمل ما تقوله أحدث الأبحاث العلمية عن هذه الظاهرة ظاهرة البَرَد وكيف أن العلماء عندما يتحدثون في أبحاثهم فإنهم يرتِّبون مراحل حدوث البرد بنفس المراحل التي تحدث عنها القرآن بكل دقة....
ما أكثر الآيات التي يقف المؤمن في محرابها خاشعاً متأملاً جمالها وجلالها، ومن الظواهر الجميلة جداً ظاهرة البَرَد. هذه الظاهرة طبعاً حدثنا عنها القرآن في زمنٍ انتشرت فيه الأساطير، وكان الناس في ذلك الزمان يردون أي ظاهرة إلى الآلهة وإلى خرافات وأساطير يعتقدون بها. فكان الناس ينظرون إلى ظاهرة البرق مثلاً على أنه سلاح للإله "زيوس" ويسمونه صانع البرق، يُعاقِب كل من يعصي أوامره، وكانت الشمس هي إله أيضاً تحرق كل من لا يسجد لها.. وهكذا.. أساطير كثيرة.
ولكن وسط هذه الأساطير نزلت هذه الآيات لتضيء لنا الطريق ولتصحح المعتقدات ولذلك سمى الله تعالى كتابه بالفرقان لأنه يفرق بين الحق والباطل. ومن هذه الآيات قول الحق تبارك وتعالى يصف لنا ظاهرة البَرَد وكيف تتشكل حبات البرد بدقة مذهلة، يقول تبارك وتعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ) الودق: أي المطر، ثم يقول تبارك وتعالى بعد ذلك (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ) هنا يأتي الحديث عن هذا البَرَد، ولكن هنالك شيء آخر مرتبط بالبرد أيضاً يقول تبارك وتعالى: (فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ) أي شعاع برقه (يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) [النور: 43-44].
نلاحظ أن الله تبارك وتعالى تحدّث عن مراحل حدوث هذه الظاهرة: فالمرحلة الأولى تبدأ بأن الله يزجي سحاباً أي يدفع ويسوق ويحرك هذه السحب (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا) وهذه السحب يدفعها الله تبارك وتعالى بالرياح، الرياح هي التي تثير هذا السحاب وتدفعه ومن ثم يجتمع (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) إذا المرحلة الثانية: أن الله يؤلف بينه (ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا) أي هنالك طبقات بعضها فوق بعض متراكمة (فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ).
يقول العلماء: إن تشكل السحب في السماء هو المرحلة الأولى لحدوث البرد، لولا هذه السحب لم يوجد البرد، وهذه معجزة قرآنية لأن الناس في العصر الماضي لم يكن لديهم تصور أن هذا البَرَد له علاقة بالغيوم أو أن الله يدفع هذه الذرات من الماء المتبخر من سطح البحار ويسوقها بواسطة الرياح ويدفعها لتتشكل الغيوم وتنزل حبات البرد، أما القرآن فقد حدثنا عن ذلك وربط بين السحاب وبين البرد.
يقول العلماء: إن أول مرحلة هي أن يتشكل لدينا كمية من السحب المتفرقة، وهذه السحب تحوي مجالات كهربائية بشكل دائم، فتكون مشحونة بشحنات سالبة وموجبة، وتقترب من بعضها حسب شحنة كل منها، دائماً نجد أن الموجب ينجذب إلى السالب وهكذا.. إذاً عملية التقارب بين هذه السحب الصغيرة تتم بشكل متناسق وبشكل مُحكم وهذا ما عبّر عنه القرآن بقوله تعالى: (ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ). وفي الزمن الذي نزل فيه القرآن لم يكن أحد لديه علم عن أي شيء له علاقة بالغيوم الركامية، ولكن القرآن حدد لنا أن حبة البرد لا تتشكل إلا أن يكون هنالك سحب، وأن يتم التآلف والتجميع بين هذه السحب وأن تتراكم بعضها فوق بعض، وتشكل سحباً ركامية كثيفة.
يقولون بعد ذلك: إن هذه السحب غير صالحة لإنزال المطر أو لإنزال البرد، إنما تتوضع فوق بعضها لتشكل ما يسميه العلماء السحب الركامية وهذه السحب الركامية يبلغ ارتفاعها 10 كم أو أكثر أحياناً، يعني هي تضاهي تماماً ارتفاع الجبال، نحن نعلم أن أعلى قمة على سطح الأرض هي قمة إيفرست في جبال الهملايا وترتفع ثمانية آلاف وثمانمائة متراً عن سطح البحر، والجبال التي تتشكل من الغيوم الركامية تعطي أشكالاً تشبه الجبال قاعدته عريضة من الأسفل وفي الأعلى تجد هنالك قمماً مرتفعة. والذي يسافر بالطائرة وينظر إلى الغيوم من تحته يلاحظ هذه القمم، ولذلك فإن القرآن كيف عبر عن ذلك ؟ قال: (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ) ويقول العلماء: إن حبات البرد لا تتشكل أبداً إلا في السحب الركامية ذات الارتفاعات العالية، لذلك قال القرآن: (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ) وهذا يعني أنه ليست كل الجبال (الغيوم) تحوي حبات البرد، بل هنالك أماكن محددة يتوضع فيها البرد.
يقول العلماء عن حبة البرد: تحتاج إلى آلاف الملايين من قطيرات الماء الصغيرة تلتف حول نفسها بنظام مبهر حتى تتشكل حبة البرد الصغيرة، وأحياناً إذا كانت الظروف مناسبة ودرجة الحرارة مناسبة فإن هذه الذرات من بخار الماء تتجمع وتتكاثف وتلتف وتتقلب هذه الحبة وكلما تقلبت تجتمع حولها كمية أكبر من الثلج حتى تتشكل حبات برد عملاقة.
وهنا تتجلى معجزة في هذه الآية عندما يقول تبارك وتعالى: (فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ) حيث يقول العلماء ليست كل حبات البرد تسقط على الأرض، فقد تتشكل مليون حبة برد ولا يسقط منها إلا حبة واحدة أحياناً، لأن حبة البرد تتشكل في ظروف عنيفة جداً، تيارات هوائية تبلغ سرعة هذه التيارات أكثر من مئة وستين كيلو متر في الساعة، ودرجة الحرارة تنخفض إلى ما دون الصفر، وفي هذه الظروف العنيفة جداً تتشكل حبة البرد وتلتف وتتقلب حول نفسها.
رصد العلماء أكبر حبة برد في عام 1970 في الولايات المتحدة وكان وزنها ثلاثة أرباع الكيلو غرام! أي أن وزن حبة برد واحدة هو 750 غراماً وقطر هذه الحبة بحدود 15 سم وهذه الحبة لو وقعت على إنسان لمات وقتل على الفور.
فإذا كانت الظروف مواتية ودرجة الحرارة منخفضة بقيت هذه الحبة محافظة على شكلها حتى تصل إلى الأرض، وإذا كانت درجة الحرارة أعلى قليلاً فإن هذه الحبة ستذوب، وبالتالي ستتشكل حبات المطر، وتنزل على شكل حبات مطر. هذه الحبات من المطر أيضاً حدثنا عنها القرآن عندما قال: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ) تلقح هذه الغيوم (فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ) جعلناه قابلاً للسقاية والشرب، ولو شاء الله تبارك وتعالى لجعله ملحاً أجاجاً أو جعله ملوثاً غير صالحٍ للشرب (وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ) [الحجر: 22].
تقول لنا الإحصائيات إنه في الولايات المتحدة الأمريكية هنالك خسارات بمئات الملايين من الدولارات سنوياً بسبب ما يحدثه البرد من أخطار وتكسير للسيارات والزجاج وأضرار بالناس وهنالك بعض الناس يُقتلون بسبب هذه الحبات من البرد لذلك قال الله تعالى: (فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ).
البرق يرافق البرد
يقول تعالى: (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) والسؤال: ما هي العلاقة بين البرد وبين البرق؟ القرآن ذكر هذه العلاقة بل إنه قال: (يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ) أي برق هذا البَرَد (يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) ماذا يقول العلماء عن البرق؟ إنهم يقولون بالحرف الواحد: إن البَرَد لا يتشكل إلا في الغيوم الرعدية التي تحدث فيها ومضات برق بشكل دائم، فلا يمكن لحبة برد أن تتشكل من دون ومضة برق.. لماذا؟
لأن التفاف هذه القطيرات من الماء (آلاف الملايين من قطيرات الماء تلتف وتدور حول نفسها لتشكل حبة برد صغيرة جداً) يتطلب حقولاً كهربائية لا تتوافر إلا في بيئة البرق. والعجيب أننا إذا قطعنا هذه الحبة (حبة البرد) نصفين نلاحظ في داخلها مجموعة من الدوائر وهذه الدوائر تدل على تاريخ هذه الحبة: كيف تشكلت وكم مرة دارت بالتفصيل، لذلك فإن هذه الحبات من البرد لا تتشكل إلا إذا حدثت ومضات برق، والغيوم الرعدية الركامية هي بشكل دائم يحدث فيها هذه الضربات البرقية أو ومضات البرق هذه.
إن العلماء يربطون بين ومضات البرق وبين تشكل البَرَد، وهذا ما فعله القرآن عندما قال: (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) والله تبارك وتعالى لم يقل إن هذا البرق يذهب بالأبصار، بل قال يكاد: (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ) [البقرة: 20]، لماذا؟ لأن هذا الشعاع إذا نزل على العين مباشرة غالباً يسبب العمى المؤقت ونادراً ما يذهب بالبصر بشكل كامل، لذلك قال تعالى (يكاد) أي يقرُب ولم يقل (يكاد البرق يذهب) لأن البرق إذا أصاب الإنسان مباشرة فإنه يحترق على الفور، حيث نجد أن الإنسان الذي أصابه شعاع البرق مباشرة فإن درجة حرارته ترتفع بشكل مفاجئ من 37 درجة مئوية إلى 30.000 درجة مئوية، فتصوروا هذا الرقم!!
قال الله تبارك وتعالى: (وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ) [الرعد: 13] هذه الصاعقة تبلغ درجة حرارتها 30.000 درجة مئوية أي أكثر من حرارة سطح الشمس بخمسة أضعاف، وتحدث تياراً كهربائياً - نحن نعلم أننا إذا مددنا يدنا إلى تيار كهربائي 50 فولت أو 100 فولت أو 200 فولت مثلاً أو 220 فولت فعدة ثواني كافية لقتل هذا الإنسان، فما بالنا بومضة البرق التي يبلغ فيها حجم التوتر الكهربائي ألف مليون فولت والتيار الكهربائي يصل إلى 200 ألف أمبير، تخيلوا لو أن هذا البرق وصل إلى الإنسان مباشرة فإنه يتفحم على الفور خلال أجزاء من الثانية.
ولذلك ماذا قال تعالى؟ لم يقل (يكاد برقه يذهب بالأبصار) بل قال: (يكاد سنا برقه) أي ما يصدر منه من إشعاعات، هذه الإشعاعات التي إذا نظر إليها الإنسان وكان قريباً جداً منها قد يذهب بصره، أو يصاب بالعمى المؤقت.
ثم تنتهي الآية بقوله: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) وهنا يتساءل الإنسان ما علاقة الليل بالنهار وتقليبه بهذه الظاهرة (ظاهرة البَرَد)؟ والقرآن مترابط، الله تبارك وتعالى لا يُنزل كلمة إلا في مكانها المناسب فهذه الحبات من البرد يقول عنها العلماء: إنها تدور حول نفسها آلاف الدورات حتى تتشكل هذه الحبة، هنالك دوران مستمر ونحن نعلم أن الليل والنهار يحدث بنتيجة دوران الأرض حول نفسها، فكما أن الله تبارك وتعالى يقلب حبة البرد فهو كذلك يقلب الليل والنهار، انظروا إلى هذا التشبيه الخفي الذي ينبغي علينا أن نتفكر فيه، لماذا ذكر الله البرد مع الليل والنهار؟ لأن هنالك علاقة مشتركة كما أن حبة البرد تدور وتتقلب كثيراً حتى تصبح عبارة عن حبة برد، كذلك الليل والنهار، الله تعالى يقلب هذه الأرض ويجعلها تدور حول محورها حتى يحدث الليل والنهار.
الهدف من هذه الحقائق العلمية
وهنا نطرح السؤال الآتي: لماذا ذكر الله تبارك وتعالى هذه الحقيقة وهذه التشبيهات الدقيقة في كتابه، هل لمجرد أن نأخذ درساً في علم الأرصاد أو في فيزياء تشكل البرد؟ أم أن هنالك أهدافاً أخرى؟
هنالك عدة أهداف من أي معجزة في القرآن: أن تكون دليلاً لكل من يشكك بهذا القرآن على صدق هذا القرآن، بالنسبة للمؤمن يزداد إيماناً. ولكن هنالك هدف أكبر وهو ما ختم الله تبارك وتعالى هذا النص القرآني: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ)! وكأن الله يريد أن يعطينا رسالة: اعلم أيها الإنسان... أيها البعيد عن الله تبارك وتعالى.. كما حدثتك عن تقليب حبة البرد وهي في أصعب الظروف، بل إن أدق الكاميرات لم تستطع أن تلتقط صورة لها وهي تدور وتتقلب وتتشكل بسبب الظروف العنيفة التي تتشكل فيها، كما أن الله حدثكم عن هذا الأمر الذي لم تكتشفوه إلا حديثاً، كذلك هو خبير بأعمالكم وخبير بما تقولونه أو تفعلونه: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) فكل واحد منا يمكن أن يأخذ العبرة التي تناسبه من هذه الحقيقة.